"لو حصلت على لبنة في كل مرة رددت فيها كلمات الجودة والخدمة والنظافة والقيمة لأمكنني ربما أن أبني جسراً فوق المحيط الأطلسي مستخدماً إياها"، راي كروك.
كيف تؤسس إمبراطورية من المطاعم وتحقق نجاحاً منقطع النظير بين ليلة وضحاها وأنت في سن الثانية والخمسين؟ يقول كروك: "يمكن القول أنني حققت النجاح بين ليلة وضحاها، لكن هذه الليلة دامت ثلاثين عاماً من الزمن".
وتعود بداية القصة للعام 1917، يوم لم يقر كروك، البالغ من العمر 15 عاماً حينها، بعمره الحقيقي ليحصل على وظيفة سائق سيارة إسعاف في الصليب الأحمر. لكن سرعان ما وضعت الحرب أوزارها وانتهت قبل أن ينهي تدريبه. وهكذا تنقل بين الوظائف فعمل عازف بيانو وبائعاً للأكواب الورقية وبائعاً للخلاطات الكهربائية متعددة المهام.
وفي العام 1954 دهش حين وردته طلبية لشراء 8 خلاطات متعددة المهام لصالح مطعم في مدينة سان برناندينو بولاية كاليفورنيا. ولما توجه إليه وجده مطعماً صغيراً يديره أخوان يدعيان ديك وماك ماكدونالد، وصعقته فعالية إدارتهما للعمل فيه. لقد كانا يقدمان قائمة طعام محدودة تقتصر على بضعة خيارات (البرجر والبطاطس والمشروبات)، ما سمح لهما بالتركيز على الجودة في كل من الخطوات.
وقد تراءى لكروك يومها افتتاح مطاعم ماكدونالدز في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. وفي العام 1955 أسس ’مؤسسة ماكدونالدز‘، وبعد خمس سنوات اشترى الحقوق الحصرية لاسم ’ماكدونالدز‘. وبحلول العام 1958 نجحت مطاعم ماكدونالدز في بيع 100 مليون برجر.
منهجية فريدةأراد راي كروك أن يؤسس سلسلة مطاعم تشتهر بتقديمها أطعمة تتسم بالجودة على الدوام وتعتمد أساليب موحدة لتحضيرها. لقد أراد أن يقدم للعملاء الخبز وسندويتشات برجر وبطاطس تتميز بالطعم نفسه، سواء تناولوها في ولاية ألاسكا أو في ولاية ألاباما.
"إعمل لنفسك، لا لوحدك"
وحتى ينجح في تحقيق ذلك، قام باتباع منهجية فريدة من نوعها تمثلت بإقناع أصحاب الامتياز والموردين بتبني رؤيته المتمثلة بألا يعملوا لصالح علامة ماكدونالدز بل بالتعاون معها. وهكذا أطلق شعار مفاده "إعمل لنفسك، لا لوحدك" وقد قامت فلسفته على ثلاثة دعامات رئيسية، حتى أن البعض يشبهها بالكرسي ثلاثي الأرجل، وفيها تمثل ماكدونالدز الدعامة الأولى وأصحاب الامتياز الثانية، في حين يمثل الموردون الدعامة الثالثة. وبهذا تكون قوة الكرسي من قوة دعاماتها الثلاث.
تقدير الإبداع
آمن راي كروك بالروح المبدعة ودأب على مكافأة أصحاب الامتياز تقديراً لأفكارهم المبدعة. وقد تم ابتكار عدد من خيارات قائمة الطعام، مثل ’بيج ماك‘ و’فيليه أو فيش‘ و’إيج ماك مفين‘، من قبل أصحاب الامتياز. وفي نفس الوقت، حرصت إدارة ماكدونالدز على التزام أصحاب الامتياز بقيم العلامة الأساسية، ألا وهي الجودة والخدمة والنظافة والقيمة.
أصول الجودةإن شغف ماكدونالدز بالجودة يتطلب تفحص كل مكون من مكونات تحضير الطعام على حدة والتأكد من توافقه مع مقومات العلامة الأساسية. ومع ازدهار المطاعم استقطب حجم الطلب الكبير الذي تشهده انتباه الموردين، والذين عمدوا بدورهم إلى أخذ المعايير التي تطلبها ماكدونالدز على محمل أكبر من الجد. وما إن بدأت مطاعم الوجبات السريعة باتباع هذه المعايير أيضاً، حتى عمدت ماكدونالدز إلى توسيع نطاق هذه المعايير لتشمل اللحوم والخضروات والحليب ومشتقاته. ومن جديد رأى كروك فرصة للشراكة، ولكن هذه المرة مع موردي ماكدونالدز، وأسس بذلك أكثر سلاسل التوريد تكاملاً وفعالية وابتكاراً على صعيد قطاع المطاعم. وقد ازدهرت العلاقة مع الموردين على مر العقود، حتى أن العديد من موردي ماكدونالدز الذين يتعاونون معها في يومنا هذا، استهلوا أعمالهم من خلال شراكتهم مع راي كروك شخصياً.
جامعة الهامبرجرأطلق كروك خلال العام 1961 برنامجاً تدريبياً أطلق عليه فيما بعد ’جامعة الهامبرجر‘، وذلك في بلدة إلك غروف بولاية إلينوي. وجرى تدريب أصحاب الامتياز والمدراء بمنهجيات علمية على أصول الإدارة الناجحة لمطعم يحمل علامة ماكدونالدز. وقد شكلت ’جامعة الهامبرجر‘ أيضاً مركزاً للأبحاث والتطوير لتحسين عمليات تحضير الطعام والتجميد والتخزين والتقديم. وتخرج حتى هذا التاريخ ما يزيد على 80 ألف متدرب من هذه الجامعة.
نهاية أسطورةلم يتوقف راي كروك عن العمل في ماكدونالدز حتى وفاته بتاريخ 14 يناير من العام 1984. وحتى عندما اضطر إلى استخدام الكرسي المتحرك ليتنقل، واصل الذهاب يومياً تقريباً إلى مكتبه الكائن في سان دِيغو. وكان يتابع سير العمل عن كثب في مطعم ماكدونالدز الواقع على مقربة من المكتب، ويتصل بمديره مذكراً إياه بإلقاء القمامة وتنظيف المرافق وإطفاء الأنوار ليلاً.
ويتواصل الإرث الذي وضع أسسه راي كروك حتى يومنا هذا مشكلاً جزءاً لا يتجزأ من معايير علامة ماكدونالدز، سواء أكان ذلك شغفه بالإبداع والفعالية أم حرصه الكبير على الجودة أم مساهماته الخيرية العديدة.
مسيرة الطريق: تأسيس شركة ماكدونالدز، راي كروك، 1977.
ماكدونالدز: كواليس الأقواس الذهبية، جون لوف، 1995.